القضاء الإداري والتجاري

الأنظمة واللوائح

يعتبر النظام مجموعة القواعد العامة المجردة والمنظمة التي تحكم وتطبق على كافة الأفراد بالدولة، ولا يخرجها من عموميتها إذا جاءت لتنظيم شأن فئة معينة من المجتمع، ويترتب على مخالفة النظام عقوبات محددة تتولى تنفيذها الدولة، وتصدر الأنظمة من السلطة التنظيمية، ويترك تفسير الأنظمة للوائح التنفيذية التي تعرف بأنها مجموعة القواعد التي تتولى شرح قواعد النظام ووضع آليات العمل به، وتصدر اللائحة التنفيذية بقرار من مجلس الوزراء بصفته السلطة التنفيذية، أو قد تصدر اللائحة التنفيذية للنظام من الوزير المختص بتطبيقه، إذا تم النص في النظام على ذلك خلال مدة محددة من تاريخ نفاذ النظام، وتشتمل اللائحة التنفيذية على أحكام نظامية تفصيلية لتلك الأحكام الواردة في النظام، ومكملة له، وبذلك تختلف عن اللوائح التنظيمية التي تصدر لتنظم سير العمل داخل المنشأة ولا تكون تفصيلا لأحكام النظام ولا تتعلق بحقوق الأفراد.

وتتعدد الأدوات التنظيمية حيث يأتي الأمر الملكي في مقدمتها وهو يمثل الإرادة الملكية التي تصدر في شكل قرار مكتوب بطريقة معينة في أمر من الأمور دون مشاركة مجلسي الوزراء والشورى يعبر عن إرادة الملك المباشرة والمنفردة ويحمل توقيع الملك – حفظه الله – بصفته ملكاً، والتوجيه الملكي إرادة ملكية يعبر عنها الملك شفاهة أو كتابة وليس له شكل محدد لمتابعة أمر معين ويبلغ للجهة المختصة كتابةً، والمرسوم الملكي يمثل الإرادة الملكية التي تصدر في شكل قرار مكتوب بطريقة محددة يعبر عن إرادة الملك بصفته ملكاً بالموافقة على موضوع سبق بحثه في مجلسي الوزراء والشورى مثل الموافقة على إصدار الأنظمة، والأمر السامي قرار مكتوب وليس له شكل محدد يُوقعه الملك بصفته رئيساً لمجلس الوزراء أو نائبه وغالباً ما يتعلق بتوجيه السياسات العامة وإدارة الدولة، وقرارات مجلس الوزراء قرارات مكتوبة صادرة عن مجلس الوزراء وتحمل توقيع رئيس المجلس أو نائبه.

وكما أسلفنا فإن الأنظمة التي تصدر من السلطة التنظيمية يتم تفسيرها عن طريق اللوائح التنفيذية التي تعتبر الوسيلة التي تفعل بها مواد النظام ليكون قابلاً للتنفيذ، وتتميز بالمرونة لتتلاءم مع الوقائع المتجددة دون تجاوز أو مخالفة للنظام أو إيجاد أحكام غير منصوص عليها في النظام نفسه، بمعنى أكثر وضوحا ألا تتضمن اللوائح والتعاميم لنصوص غير موجودة في النظام أو أحكام سكت عنها النظام لأسباب معينة، وإلا أصبحت هذه اللوائح والتعاميم تمثل أحدى صور مخالفة النظام الذي أصدرت لتفسيره وشرحه، وتجاوزاً لصلاحيات السلطة التنفيذية.
ونخلص إلى أنه إذا كانت الأنظمة تتضمن القواعد الأساسية، فإن اللوائح التنفيذية تختص بتفسير هذه القواعد وشرحها وتحديد آليات العمل بها دون تجاوز أو إضافة أحكام لم يقصدها النظام، كتجريم واقعة أو استحداث عقوبة أو تحديد شروط لم يقصدها النظام ولا يتطلبها، وتبقى رقابة القضاء الإداري على مشروعية القرارات الإدارية وسلامتها من العيوب سواء من ناحية الاختصاص أو الشكل أو السبب أو عدم مخالفة النظام أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وهو ما يعرف بسلطة الإلغاء ضمانة لعدم التعسف في تفسير أو تطبيق الأنظمة، وبالجملة نعتقد أن عدالة وثبات الأنظمة وحماية الحقوق والمراكز القانونية المستقرة هو مناط تحفيز النمو الاقتصادي وزيادة الجاذبية الاستثمارية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

المحكمة الإدارية

تعتبر المحكمة الإدارية هيئة قضائية مستقلة عن القضاء العام وتختص بالرقابة القضائية على مشروعية القرارات الإدارية وضمانة أساسية لسلامة القرار الإداري من العيوب سواء من ناحية الاختصاص أو الشكل أو السبب أو بمخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، ولا يقتصر دور المحكمة الإدارية على الرقابة على القرارات الإدارية بل يشمل علاقة الأفراد والمؤسسات والشركات بالجهات الحكومية من خلال العلاقة التعاقدية.

وكما أسلفنا فإن المحكمة الإدارية تختص بالنظر في قضايا الفصل في المنازعات المتعلقة بالحقوق المقررة في أنظمة الخدمة المدنية والتقاعد لموظفي الدولة، وفي دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والطعن في صحتها، وفي قضايا التعويض ضد الجهات الحكومية والأشخاص ذوي الشخصية المعنوية بسبب أعمالها، ومنازعات العقود التي تكون الحكومة أحد أطرافها، والقضايا التأديبية ضد موظفي الدولة، والقضايا الجزائية في جرائم الرشوة والتزوير ومباشرة الأموال العامة، وطلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية.

ورقابة المحكمة الإدارية قضائيا على القرارات الإدارية تعد من قبيل رقابة المشروعية وليست من قبيل رقابة الملائمة، بمعنى انها تختص بالنظر في القرار من حيث مشروعيته وخلوه من عيوب القرار الإداري سواء شكلية أو موضوعية من حيث صدوره من جهة مختصة من عدمها، والتأكد من عدم الانحراف بالسلطة والتعسف في استعمال الحق، أو مخالفته للأنظمة واللوائح السارية.

ونعتقد أن تطوير عمل المحكمة الإدارية القضائي يعتمد بشكل كبير على تعاون الجهات الإدارية في تطبيق الأنظمة واللوائح والتأكد من سلامة القرارات الإدارية من الواقع والنظام، فعلى سبيل المثال تتلقى المحكمة الإدارية سنويا كما هائلا من قضايا الحقوق المقررة في أنظمة الخدمة المدنية والتقاعد نتيجة قيام بعض جهات الإدارة بعدم صرف بعض مستحقات الموظفين والمتقاعدين مما يضطرهم للجوء للقضاء الإداري رغم وضوح استحقاقهم لهذه البدلات والحقوق في النظام وقرار إنهاء الخدمة للمتقاعدين، مما يشكل عبء على المحكمة والمواطنين وفيهم الكبير والمريض، وهذه إشكالية يمكن معالجتها بقرار إداري أو مبدأ قضائي عام، بدلا من الحاجة إلى حكم قضائي خاص لكل حالة.

ونخلص إلى أن تطوير أداء المحكمة الإدارية باعتبارها جهة رقابة قضائية على مشروعية أعمال الإدارة، يعتبر مطلباً أساسياً لإرساء مبادئ العدل وحماية الحقوق وإنصاف المظلومين، ولا يمكن تحميل المحكمة الادارية وحدها هذا العبء الوطني دون التزام الجهات الإدارية فعليا بمسؤوليتها تجاه المشاركة في تحقيق العدالة، وزيادة تفعيل دور الإدارات القانونية لضمان سلامة القرار الإداري ومطابقته للأنظمة واللوائح، وتطبيق مبدأ السوابق القضائية الإدارية، بدلا من إرهاق كاهل المحكمة بالكثير من القضايا والأخطاء الإدارية التي أصبحت عبئاً حقيقيا يعيق القضاء الإداري عن أداء عمله بشكل أفضل نحو تحقيق العدل.

السلطة التقديرية

تتمتع الجهة الإدارية بسلطة مقيدة بالنظام يقصد بها أن الإدارة تكون ملزمة بما تضعه الدولة من أنظمة وشروط لاتخاذ أي قرار إداري بشكل عام، وهذه السلطة المقيدة تعد ضمانة للحقوق من تعسف جهات الإدارة في استخدام السلطة، وحيث ان المنظم لا يستطيع أن يحيط بجميع الأمور في النظام، فقد منح جهة الإدارة سلطة تقديرية تعطيها حرية في اتخاذ التصرفات القانونية في الأحوال التي لا يفرض عليها النظام قيوداً مسبقة، بمعنى أن السلطة التقديرية التي تمنح للجهة الإدارية من خلال تنظيمها الداخلي لمرفقها تخول لها أن تتخذ عند وجودها أمام ظروف معينة ما يلائمها من قرارات ضمن حدود اختصاصها.

والجهة الإدارية عندما تمارس هذه السلطة التقديرية تكون مرخصة من المنظم وفق القيود والضوابط الممنوحة لها، وهذه المشروعية تفرض على الإدارة احترام هذا الترخيص وهذه الثقة، بمعنى أن جهة الإدارة ليس لها مطلق الحرية في سلطتها التقديرية فهي مقيدة بأن تلتزم فيما تصدره من قرارات بالاختصاص الممنوح لها، وأن لا تخالف هذه القرارت الشريعة أو القواعد النظامية، وأن يقصد بهذه القرارات تحقيق المصلحة العامة، وتحقيق الأسباب التي من أجلها صدر العمل الإداري، وملاءمة العمل الإداري للأسباب التي دعت للقيام به، وأن تقوم الجهة الإدارية عند استخدام سلطتها التقديرية بالموازنة بين المصلحة والضرر الذي قد يترتب على هذا القرار، بحيث لا يكون الضرر أكبر من المصلحة، أو أن ما يترتب من ضرر لا يمكن تداركه مستقبلاً.

وكما أسلفنا فإن السلطة التقديرية لا تعارض مبدأ المشروعية إذا كانت متقيدة بالرخصة التي منحها لها المنظم، ولا معقب عليها إلا في حال خروجها عن هذه الضوابط، وحتى لا يتم التوسع في استخدام السلطة التقديرية نتيجة غياب التنظيم المحدد لطبيعة القرارات المختلفة لجهات الإدارة، فإنه يجب الاهتمام بتحديث الأنظمة والإجراءات ومعالجة الفراغات القانونية، واستعمال الكفاءات الوطنية الأمينة على المصلحة العامة لقول الله تعالى (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فالأمين بلا قوة لا يمكن أن يحمي شيئا، والقوي بلا أمانة لا يبقي على شيء مما أؤتمن عليه، وأخيرا تفعيل دور الرقابة والمتابعة والمحاسبة للتأكد من عدم إساءة استخدام السلطة التقديرية.

ونخلص إلى أنه كلما قيدت السلطة بالنظام كانت أكثر ضمانة للحقوق والحريات والمنع من التعسف في استخدام السلطة بأي شكل كان، وكانت الحاجة للسلطة التقديرية كنوع من الاستثناء الذي يجب أن يخضع للرقابة الإدارية والقضائية من جهة أخرى بممارسة القضاء لرقابة الملاءمة باعتبارها عنصرا من عناصر المشروعية وتدقيق الوقائع ومطابقتها للضوابط المقيدة لأعمال الجهات الإدارية من خلال نظر الدعاوى التي يتم رفعها أمام القضاء الإداري من الهيئات الرقابية في قضايا الفساد المالي والإداري أو من قبل الأفراد والجهات المتضررة من تعسف الإدارة في استخدام سلطتها التقديرية، ويبقى تحديث الأنظمة والإجراءات هو الأصل لضمان رقابة المشروعية على أعمال الجهات الإدارية ويقلل من التجاوزات والأخطاء التي قد تحدث نتيجة التوسع في استخدام السلطة التقديرية.

التسوية الوقائية

التسوية الوقائية من الإفلاس إجراء يهدف إلى توصل المدين لاتفاق مع دائنيه على تسوية ديونه واحتفاظه بإدارة النشاط، وتعتبر أول الإجراءات لإنقاذ المدين المتعثر وإصلاح وضعه المالي، وتبدأ إجراءات التسوية الوقائية بطلب يقدم للمحكمة المختصة مرفقاً به المستندات والوثائق المؤيدة والمقترح الذي يجب أن يتضمن نبذة عن الوضع المالي للمدين وتأثير الظروف الاقتصادية عليه، وتصنيف الدائنين وفقاً للنظام، وتوافر شروط قبول الطلب من حيث كون المدين يعاني فعلياً من صعوبات مالية أو كان متعثراً، أو مفلساً، وأن لا يسبق له الخضوع لإجراء التسوية الوقائية خلال السنة الماضية.

وتحدد المحكمة موعداً لنظر طلب التسوية خلال (40) يوماً ويبلغ المدين بالجلسة خلال (5) أيام، وتفصل المحكمة بقبول الطلب إذا ترجح لديها إمكانية الاستمرار في النشاط وتسوية المطالبات خلال مدة معقولة، أو تقوم بتأجيل الطلب لمدة (21) يوماّ لتقديم معلومات أو وثائق تطلبها المحكمة التي تحدد موعداً لتصويت الدائنين على المقترح خلال (40) يوماً من تاريخ افتتاح الإجراء إلا إذا رأت تحديد موعد آخر بما لا يتجاوز (40) يوماً على أن يقوم المدين بتبليغ الدائنين بموعد التصويت خلال (7) أيام من تاريخ الحكم بافتتاح الإجراء، وعليه أن يبذل العناية اللازمة لتصويت الدائنين بالموافقة بالأغلبية، وللمحكمة رفض الطلب إذ لم يستوف الشروط أو ارتكب المدين فعلاً مجرماً وللمحكمة أن تأمر بفتح الإجراء المناسب في هذه الحالة.

وإذا وافقت المحكمة على طلب التسوية الوقائية يحق للمدين طلب تعليق المطالبات المالية ضده وعليه أن يرفق تقريراً معداً من أحد أمناء الإفلاس المعتمدين يتضمن ترجيحه القبول لأغلبية الدائنين للمقترح وإمكانية تنفيذه، ويكون تعليق المطالبات لمدة (90) يوماً تمدد لمدة (30) يوماً على ألا تتجاوز (180) يوماً، وتنتهى فترة تعليق المطالبات بمضي المدة النظامية أو تصديق المحكمة على المقترح أو إنهاء الإجراء، وعلى المدين إبلاغ دائنيه قرار المحكمة بتعليق المطالبات المالية فور صدوره، ولا يجوز خلال مدة تعليق المطالبات اتخاذ أي إجراء أو دعوى ضد المدين أو التنفيذ على أصوله أو ضماناته الشخصية والعينية إلا بموافقة المحكمة في حالات محددة نظاماً، ولا يترتب على البدء في إجراءات التسوية حلول الديون الآجلة أو التأثير على العقود الموقعة مع المدين ويلتزم المتعاقد بتنفيذ التزاماته تجاه المدين الذي يلتزم بتنفيذ التزاماته التعاقدية، وإذا لم يلتزم المدين للمحكمة أن تفسخ العقد بناء على طلب المتعاقد، وللمدين أن يطلب من المحكمة فسخ أي عقد إذا كان الاستمرار فيه يؤثر بطريقة سلبية على المركز المالي، ويستثنى من ذلك عقود الضمانات كعقد الرهن والعقود الحكومية والمصرفية والتمويلية، كما هو محدد بالنظام.

ويجب أن يكون المقترح مستوفياً للعدالة بأن يتم وفقاً لإجراءات تصويت الدائنين وحصولهم على المعلومات اللازمة لدراسة البدائل المتاحة للمدين لإجراء المقارنة بينها وبين المقترح، ومراعاة حقوق الدائنين بما يتعلق بتقاسم الخسائر وتوزيع الحقوق الجديدة والمزايا والضمانات، وتصدق المحكمة على المقترح بعد التحقق من قبول أغلب الدائنين، وعلى المدين بعد التصديق على المقترح تبليغ الدائنين وإيداع نسخة منه في سجل الإفلاس خلال (5) أيام من التصديق، وتصبح الخطة ملزمة للمدين والملاك والدائنين وعلى المدين استكمال الإجراءات النظامية، وبعد الانتهاء من الإجراء يتقدم المدين بطلب للمحكمة لإنهائه على أن يقوم بتبليغ الدائنين، ولكل ذي مصلحة أن يعترض على الطلب خلال (14) يوماً، وللمحكمة رفض التصديق على المقترح لمخالفته الشروط أو لعدم تحقق النصاب المطلوب للتصويت أو تعذر تنفيذ الخطة بناء على طلب كل ذي مصلحة أو إذا ارتكب المدين فعلاً مجرماً نظاماً، أو لرغبة المدين بعدم الاستمرار في النشاط.

ونخلص إلى أن التسوية الوقائية من الإفلاس هي أول الخطوات وأيسرها؛ لكونها تتيح للمدين المتعثر مالياً الاستمرار في مجال عمله وإدارة نشاطه التجاري بشكل طبيعي، وتعطيه الفرصة لترتيب أوضاعه المالية والمحافظة على حقوق الدائنين في الوقت نفسه بما يضمن مصلحة الطرفين، وتكون إجراءات التسوية الوقائية من الإفلاس تحت إشراف المحكمة المختصة وتخضع لسلطتها التقديرية بالموافقة أو الرفض، وفي هذه الحالة للمحكمة أن تأمر باتخاذ إجراء الإفلاس المناسب كإعادة التنظيم المالي أو التصفية!

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

You may use these <abbr title="HyperText Markup Language">html</abbr> tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>

*

هل تريد مساعدة؟