أعظم الحقوق

حق الله تعالى

تعد العقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه بنيان الأمم فصلاح كل أمة مرتبط بصحة عقيدتها وسلامة أفكارها واعتدال منهجها، والتوحيد أعظم حق لله تعالى فهو أصل دعوة الرسل قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ولقوله صلى الله عليه وسلم: “يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟: قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً”، والتوحيد أعظم الحقوق وهو الأصل في الفطر البشرية والشرك طارئ ودخيل عليه “ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”.

والتوحيد الذي تكاد تتفق عليه جميع الأمم هو توحيد الربوبية المتمثل في إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والإحياء والإماتة وجلب الخير ودفع الشر وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السموات والأرض، وإفراده تعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون)، ولا يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية في حصول الإسلام بل لا بد مع ذلك أن يأتي بلازمة وهو توحيد الألوهية وهو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره ولا يدعى سواه ولا يستغاث ولا يستعان ولا يحلف إلا به ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلا له قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، فمن قال لا إله إلا الله عارفاً لمعناها أي لا معبود بحق إلا الله، عاملاً بمقتضاها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله معتقداً ذلك عاملاً به فهو المسلم حقاً.

والإيمان هو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن كل عيب وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له والقيام بذلك علماً وعملاً، والإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وكذلك الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه ووصفه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وتسميه بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وهو ما يسمى بتوحيد الأسماء والصفات قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يلحدون في أسمائه الله وآياته لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له.

والتوحيد أشرف العلوم لتعلقه بمعرفة الله جل وعلاء في أزليته وأبديته وقربه وإحاطته بخلقه (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) وعلوه سبحانه بذاته واستواؤه على عرشه قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى)، (أأمنتم من في السماء) والأدلة كثيرة في الكتاب والسنة، حتى إن الإنسان عندما يدعو الله لا يلتفت يميناً أو شمالاً بل يتوق إلى العلو وهذا مشاهد فالنفس تعلم أن الذي فطرها في السماء، فلا أحد يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء إلا الله، أما دعاء غير الله وحدهم أو مع الله فهو شرك أكبر ولو صلى وصام (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله سبحانه (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) والاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات والإضرار بأحد أو نفعه شرك في العبادة لأنه نوعٌ من الاستمتاع بالجني بإجابته سؤاله وقضائه حوائجه في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه واستعانته به قال تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها) فالاستعانة والاستعادة بغير الله شرك مثل الذهاب للسحرة والكهان فمن صدقهم فقد كفر قال تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ولا تأثير لهذا النوع إلا بإذن الله الكوني القدري قال تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله).

والسموات والأرض ومن فيهن ملكاً لله خلقاً وإيجاداً وتصريفاً وتدبيراً قال تعالى (قل لمن ما في السموات والأرض قل لله) فلا يتحرك شيء ولا يسكن متحرك إلا بأمره سبحانه (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) ولا يخرج أحد من خلقه عن حكمه وسلطانه وقهره (وهو القاهر فوق عبادة وهو الحكيم الخبير) ولا يحدث من أمر إلا بإرادته وتحت مشيئته وسمعه وبصره سبحانه فمن هذه عظمته وقدرته فهو المتصرف في ملكه كيف يشاء يعز ويذل ويعطى ويمنع (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) والمؤمن لو انشقت الأرض وابتلعته وأطبقت الجبال على رأسه لم ينزل حاجته إلا بالله عز وجل، ولا يخاف من أحد غير الله، قال تعالى: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فالذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً لا شرك ولا معاصي حصل لهم الأمن والهداية التامة، وإذا كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك لكنهم يفعلون السيئات حصل لهم أصل الهداية وأصل الأمن وإن لم يحصل لهم كمالهما، ونخلص إلى أنه من لم يكن من أهل الهداية والأمن فحظه الضلال والشقاء وما وجد الخلل في المجتمعات إلا بشؤم المعاصي وتفشي الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأظلم الظلم وتنقص لرب العالمين واستكباراً عن طاعته وصرف خالص حقه لغيره، قال تعالى: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق). وبالجملة فلا صلاح للعالم إلا بالتوحيد ومتى خلا منه خرب وقامت القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله”.

حق محمد صلى الله عليه وسلم

من أعظم نعم الله على عباده أن بعث فيهم الرسل مبشرين ومنذرين، وكان من أعظمهم قدراً وأبلغهم مكانة وأثراً وأعمهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أرسله الله رحمة وهداية للناس جميعاً (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، بعثه الله والناس في جاهلية وضلالة، فأكرمه الله بالنبوة والرسالة فقام بمكة ثلاث سنين مستخفياً بدعوته حتى أنزل الله عليه (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، فأعلن دعوته ودعا الناس للإسلام عشر سنين وكان يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام ويقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة فإن قريشاً قد منعتني أن أبلغ رسالة ربي فلا يجيبه أحد، وفي هذه الأثناء توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة، فاشتد إيذاء قريش له وتطاول عليه السفهاء فأوذي وعودي وقيل عنه ساحر ومجنون وكذاب وأُخرج من مكة، فلما قيل له كف عن دعوتك هذه قال والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه، فلعلنا نعرف فضل رسول الله الكريم على هذه الأمة وما ناله من الأذى في سبيل الدعوة إلى الله فهذا يجعلنا نحبه صلى الله عليه وسلم حباً يشغف قلوبنا ثم نطيع أمره ونجتنب نهيه ونحرص على اتباع سنته.
وأثنى الله تعالى على نبيه وأمر ملائكته والمؤمنين بالصلاة والسلام عليه بقوله (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وأوجب الله سبحانه محبته وتعظيمه على كل مسلم قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) ومحبته علامة الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) ومحبته سبب للفوز في الدنيا والآخرة ففي رواية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة فقال «ما أعددت لها» فقال يا رسول الله ما أعددت لها كثير صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال (أنت مع من أحببت) وفي رواية قال (من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله). فمن مقتضيات الإيمان بالله ورسوله أن نتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع سنته وأحاديثه لأن احترامها من احترامه صلى الله عليه وسلم وتوقيره من احترام الله عز وجل لقوله تعالى (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً) فقرن الله الأدب مع الرسول الكريم مع الأدب مع الله عز وجل لعظم مكانة محمد صلى الله عليه وسلم عند الله سبحانه، ولقد حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله الكريم وأخبر أنها شر وبلاء بقوله (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت، إلا كان من أصحاب النار).

ونؤكد على أنه من أصول العقيدة الإسلامية تحقيق الولاء والبراء فيجب على كل مسلم يؤمن بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) فتحرم موالاة الكفار قال تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) وكما أن الله حرم موالاة الكفار فقد أوجب موالاة المؤمنين ومحبتهم قال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وأشد الناس محاربة لله من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، قال الله سبحانه (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين) وقوله تعالى (إن شانئك هو الأبتر) أي كل من يبغضك ويعاديك فإن الله تعالى يقطع دابره ويمحق عينه وأثره. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).

ونخلص إلى أن حق محمد صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة عظيم يبدأ بالقيام بالدعوة إلى الله ونصرة دينه والاقتداء بنبيه ومحبته والدفاع عنه بمنع الإساءة اليه ومعادة أعدائه ومحبة أوليائه، اللهم صلى وسلم على نبينا محمد أزكى صلاة وأتمها، اللهم إنا نشهدك أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد فيك حق جهادك حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه خير ما تجزي به نبياً عن أمته، اللهم آتي محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، اللهم واسقنا من حوضه وارزقنا شفاعته، واجعلنا من أهل سنته واجمعنا به في مقر رحمتك، واجعل هذه الأمة في ضمانتك يا رب العالمين.

الإسلام والسياسة

تعد السياسة في الإسلام جزءاً من السياسة الشرعية وهو نظام الحكم، وكيفية اختيار الحاكم، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم وحقوق وواجبات كل منهما، والعلاقة بين الدول في حالتي السلم والحرب، والسياسة الشرعية هي تدبير الشؤون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار مما لا يتعدى حدود الشريعة وأصولها الكلية، بمعنى أن السياسة تجيز للحاكم فعل المصلحة التي تحقق نفعاً للأمة، وهذه المصلحة لا تكون معتبرة في الشرع إلا إذا كانت متفقة مع الأدلة العامة والقواعد الكلية ومقاصد الشريعة، والسياسة الشرعية تعد أفضل أساليب إدارة الدولة لكونها تعتمد على نظام إلهي مستمد من أوامر الشرع الحنيف، وتختلف السياسة الشرعية عن الديمقراطية باختلاف تفسيرها بين الحق في اختيار الحاكم، أو الحق في التشريع وهذا الحق يناقض السياسة الشرعية التي تعتمد على التشريع الإلهي.
وتتميز الشريعة بخصائص وسمات مهمة، ترشحها لقيادة البشرية، وتجعلها صالحة لكل زمان ومكان، فهي إلهية المصدر واضحة المعنى التعبدي الملازم لكل حكم شرعي، تقوم على الفضائل وتنهى عن الرذائل، والجزاء فيها ثواباً وعقاباً دنيوي وأخروي، وتخضع أحكامها لمراقبة الله، وتنظيم علاقة الفرد بربه، واشتمالها على عوامل المرونة والسعة، وتتميز بالعدالة والرحمة والعالمية، فلم تعرف الأمم فاتحين متسامحين مثل المسلمين ولا ديناً سمحاً مثل دينهم، لقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، فلا إكراه في الدين، وحرم قتل المعاهدين، ففي الحديث (من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة)، وحث على الرفق في الولاية العامة والخاصة والكبيرة والصغيرة لقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به).

وقد شهد بعض المستشرقين الذين تنتفي مجاملتهم للإسلام بأن الإسلام نظاماً سياسياً، مثل ستروتمان الذي يقول: إن الإسلام ظاهرة دينية وسياسية، إذ إن مؤسسه كان نبياً، وكان حاكماً مثالياً خبيراً بأساليب الحكم، ويقول شاخت: إن الإسلام يعني أكثر من دين، إنه يمثل – أيضاً – نظريات قانونية وسياسية، وجملة القول: إنه نظام كامل من الثقافة، يشمل الدين والدولة معاً. وكذلك يقول أ. د. فتزوجوالد: ليس الإسلام ديناً فحسب، ولكنه نظام سياسي أيضاً، وعلى الرغم من أنه ظهر في العهد الأخير بعض الأفراد من المسلمين، ممن يصفون أنفسهم بأنهم عصريون يحاولون أن يفصلوا بين الناحتين فإن صرح النظام الإسلامي كله قد بني على أساس أن الجانبين متلازمان لا يمكن أن يفصل أحدهما عن الآخر. انتهى، وهنا حيث يعبرون بلفظ الدين والسياسة، فهم لا يقصدون أن السياسة ليست من الدين، كيف وهم يجعلونها من الإسلام، بل يقصدون بالدين: التديّن وجانب العبادات، وبالسياسة: السياسة الشّرعيّة.

ونخلص إلى إن الشريعة الإسلامية جاءت بما يحقق الخيرية في هذه الأمة وإعدادها لتحمل مسؤولية الرسالة العامة تجاه البشرية، قال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، فقامت هذه الدولة المباركة حرسها الله منذ تأسيسها بتحكيم الشريعة التي تعد أعظم منًة لله عز وجل على عباده بإنزال كتابه وتوليه بنفسه التشريعات التي تحكمهم، فمصالح العباد في المعاش والمعاد في دينه وشرعه، ولا تزال هذه الدولة بخير بفضل الله تعالى ما دامت متمسكة بهذا الدين العظيم الذي لم يحارب دين مثله على مر العصور بقصد تدمير مكتسباته وتشويه صورته، ومع كل هذه العداوات الشرسة الظاهرة والمستترة والحزبيات التي تختزل الدين في الأشخاص والجماعات لأهداف سياسية، فقد زالت دول وحضارات وفرق وثقافات، وبقي الإسلام عظيماً والأكثر تأثيراً، اللهم يا ولي الإسلام وأهله اجعل المسلمين وبلادهم في ضمانتك، واحفظ لهذا الوطن أمنه وإيمانه وقيادته يا رب العالمين.

الوطن هو نحن

المملكة العربية السعودية لا تعتبر اقليما جغرافيا يعيش فيه مجموعة من البشر لهم فيه سلطة وسيادة فحسب، فهو وطن الإسلام ومهبط الوحي ومهد الرسالة وبلاد الحرمين وقبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، جعلها الله متوسطة بين امصار الأرض شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وحباها الله بميزات جغرافية اعطتها اهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي فهي محاطة بالصحارى والجبال من كل جانب ومن اجل هذا الوضع صارت الجزيرة حصناً منيعاً لا يسمح للأجانب ان يبسطوا عليها سيطرتهم ونفوذهم ولذلك نرى ان سكان الجزيرة احرار في جميع شؤونهم منذ اقدم العصور مع انهم كانوا مجاورين للعديد من الأمم والدول الكبرى طوال التاريخ البشري ومع ذلك بقيت هذه البلاد منيعة حصينة بالرغم من ان موقعها المتوسط بين قارات العالم جعلها ملتقى الحضارات.

وكما اسلفنا بقي العرب في هذا البلد محتفظين بأصالتهم وأخلاقهم التي ميزتهم عن غيرهم مثل الشجاعة والوفاء بالعهد وعزة النفس ورجاحة العقل والكرم والحلم وقوة التحمل في الظروف البيئية المختلفة والصبر وشدة العزيمة، فهذه الصفات والأخلاق الأصيلة مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة الى العالم كانت احد اسباب اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة وقيادة الأمة الإنسانية منذ بداية عصر الاسلام فبلغت رسالتهم معظم اقطار العالم وصنعوا اعظم حضارة حقيقية عرفتها البشرية، وبقيت هذه الدولة نقية في عقيدتها وأخلاقها فلم تتأثر بطبائع وعادات وعقائد الشعوب الأخرى وذلك يرجع بفضل احتكامها بشرع الله عز وجل الكتاب والسنة، فبفضلهما بقي شعبها معتصما ومتمسكا بحبل الله المتين دينهم الإسلام دين السلام والرحمة والعدل والنظام، فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات. وهذه الدولة المباركة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، بذلت ولا تزال تقدم جهدا متعاظماً في خدمة الإسلام وأهله في الداخل وفي كل اصقاع العالم ومنجزاتها خير شاهد وهي تتحدث عن ذاتها، فلم يذكر التاريخ ان دولة خدمت هذا الدين بعد القرون الأولى مثلما قدم هذا البلد وأهله ولله الحمد اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

ونعتقد ان هذا الوطن الذي اسسه الآباء المخلصون على عقيدة التوحيد ولا يزال يحمي حماها وصدق الله اذ يقول (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز) امانة في اعناق الشرفاء من ابنائه لمواصلة البناء والمحافظة عليه نقيا من الغلو والتطرف وما يقابله من انتشار المعاصي والفوضى الأخلاقية بدعوى التمرد على الدين وقيمه التي تمثل قمة التنكر لهذا الوطن الذي نعترف انه تعرض لإساءة عظيمة من بعض ابنائه ولكن يبقى الوطن شامخاً منيعا بإذن الله تعالى من ان تناله ايدي العابثين المفسدين او يلوثه عفن الفجرة الماجنين الذين اصبحوا يقدمون عبثهم ومجونهم باسم وطن التوحيد في مواقع الفسق والرذيلة، ونتطلع ايضا لمحاسبة كل من يسيء لهذا الوطن في عقيدته وأخلاقه من الماجنين وأصحاب الفجور الذين لا يستفيد منهم هذا الوطن سوى المزيد من المصائب.

ونخلص الى انه قد حان الوقت ليقتص الوطن من كل من تنكر له او قام بالإساءة اليه في أمنه وقيمه واقتصاده سواء كان مواطنا او مقيما او حتى متجنسا بالجنسية السعودية وتنكر لهذا البلد وأهله من خلال قيامه بابتزاز خيرات هذا الوطن بطرق مختلفة وتهجيرها لبلده الأصلي فضلا عن تستره على ابناء عرقه، ونعتقد ان الحملات الأمنية الأخيرة كشفت حقيقة ان هذا الوطن مستهدف في عقيدته وأخلاقه واقتصاده وأمنه واستقراره، ومن هذا المنطلق تتأكد مسؤولية الجميع لمحاربة العبث والفساد والمحافظة على مقومات الحياة في هذا الوطن للأجيال القادمة، فللوطن في دم كل حر مسلم يد سلفت ودين مستحق، وليعي اعداء الاسلام والإنسانية ان هذه البلاد باقية بإذن الله عزيزة مجيدة بحفظ الله ورعايته ولن يثنيها كيد الحاقدين عن مواصلة رسالتها تجاه البشرية، فعلى كل مسلم منا ان يقدم لهذا البلد بعضا من حقه ولو بالدعاء فالوطن هو نحن.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

You may use these <abbr title="HyperText Markup Language">html</abbr> tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>

*

هل تريد مساعدة؟